ما يجعلني أنا

في صندوق الأسئلة التي أخرجه في جمعات الصديقات و الذي نطلق عليه مزاحاً صندوق ال talk therapy حيث يضم أسئلة متنوعة تجعلنا نتحدث عن أنفسنا بشفافية كان من نصيبي سؤال ” ما الذي يجعلك أنتِ أنتِ ؟” ، صحيح أنني كتبت السؤال لكن الإجابة عليه ليست بسهلة ، بأن تدرك ما الذي يجعلك أنت أنت بكل ما أنت عليه ، بنسيجك الذي لا يشاركه معك غيرك ، قد نشترك بمكون من مكونات أنفسنا لكن يبقى لكل فرد نكهته و نسيجه الخاص و هو الذي يجعلك ببساطة أنت أنت !

me5

حين أفكر بما يجعلني أنا أتذكر بدايةً طفولتي في بيت عائلي في أسرة ممتدة ، و جَدٍّ أبّى إلا أن يشبه منزله بيوت قُرى بلعا بحديقة واسعة يطغى فيها الخضار على البناء ، نخرج و أطفال العائلة لنبدأ كل يوم مغامرة جديدة لا تنتهي إلا بعد أن يحل الليل و نبقى على ضوء شرفة من الطابق الثاني ، فتارّة أكون على أعلى الشجرة ألتقط ما بوسعي من حبّات الكرز و أخرى على الأرض نشكل معمول العيد بالطين و قليل من ورق الأشجار . أحسب أن طفولتي كانت سعيدة بفضل الله بعائلة ممتدة جعلتني أقدّر الأوقات العائلية و لعب في الطبيعة جعلها صديقتي و جعلني أسعى لأن تكون طفولة الأطفال من حولي -و أنا الآن كبيرة – سعيدة كذلك !

ما يجعلني أنا هو أول كتاب أخذته خفية ووضعته تحت وسادتي و قرأت منه ليلاً خشية أن يراني أحد وسط بيت لا يقرأ عموماً ظنّاً مني بأن هذا العمل غير مقبول هنا p: ، و من فضول القراءة هذا إلى حب التعلم الذي أظنه يشكل جزء كبير مني . و إذا ما سُئلت عن الطاقة التي تحركني ، أقول كل فرصة تعلم ! كل حدث أنظر له و أرى أنه سيعلمني أمراً .

ما يجعلني أنا هو همتي العالية و جَلدي و ميلي لإلزام نفسي …. في سنين المدرسة كنت أنزعج لأنني أبذل مجهود أكثر بكثير من غيري و مع ذلك إما أن نحرز نفس العلامات أو بتفاوت قليل ، غالباً ما أشعر أنني لا أملك قدرات خاصة أو قدرات تفوق أقراني إلا أنني مجتهدة و أقدر هذه النعمة و تذكرني بأن الله عادل سبحانه في أرزاقه .

me 2

ما يجعلني أنا هو تلك الأوقات التي جلست فيها مع نفسي أحاول فهمها و مُصادقتها ، كل وقت كتبت فيه عما بداخلي ،أعود فأقرأه فأوقن أن الصغيرة كبرت بهمومها و تفكيرها و أن هذا أمرُُ مطمئن ، كل وقت حزن حاولت دفعه إلى أن تعلمت أنه لا بأس بالسماح له أن يكون، كل وقت قلقت فيه على أمر أكل من روحي شيئاً ، كل وقت شعرت فيه بسعادة الرحلة لا الوصول فكان كل يوم أستيقظ فيه فرصة أحمد الله على أن بعث روحي و أذن لها بذكره فاطمأنت بأنها تسعى و تحاول الوصول بخطوات صغيرة .

أكثر ما يجلعني أنا هو علاقتي مع الله سبحانه ، خالقي الذي أحببته منذ وعيت على الدنيا فيسّر لي من يعلمني عنه فعلمت أنه قريب و ما فتئ يذهب هذا الشعور ليعود ، أتذكرني في عمرة و أنا في الصف العاشر في ساحة الحرم المكي و لوحة مضيئة في طرف الشارع تتقلب فيها الأحاديث واحد تلو الآخر ،وقعت عيني وقتها على قوله عليه الصلاة و السلام “ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما …” و أنا حينها لم يكن الله و رسوله أحبُ إليّ ، فكنت أحب صديقتي و والدي أكثر ، أحسب أن هذا الحدث و ليس لذاته فقط ، فقد تقاطعت معه أمور أخرى لكنه كان حدث فاصلاً في أن أفكر في إعادة تريتب علاقتي مع الله .

في إحدى الدورات كان المطلوب منّا أن نعرِّف عن أنفسنا بطريقة غير معتادة ، فتحدثتُ حينها عن الأحداث التي أثرت في نفسي منذ طفولتي و حتى ذلك الوقت و كان مسموح للحضور أن يوجّهوا أسئلة بعد انتهاء التعريف ، سألتني إحداهن حينها ما هدفي في الحياة أو ما الذي أطمح لتحقيقه ؟ أجبتها حينها أنني أريد أن أكون مسلمة حقة بكل أدوار حياتي ، مسلمة كما يريد لي الله أن أكون ، على بساطة الإجابة إلا أنها تطبيقها يملئ أيامي فأسعى لأن أتعلم وحي الله و لأن أزكي نفسي و أن أتقن الأدوار التي أشغلها حالياً و هذا أكثر ما يجعلني أنا دوري كعبدة لله أدين له بدين الإسلام .

ما يجعلني أنا هو تلك المبهجات الصغيرة التي تسعدني ، رؤيتي للخير في الأشخاص و الأحداث من حولي، اعتنائي بتفاصيل غرفتي و مكتبي ، هزَلي و جدي ، عيوبي و أخطائي ، خوفي مما أجهل ، كل حدث و شخص كان له وزن في حياتي ، يذكرني هذا باقتباس لعلي الطنطاوي في كتابه مع الناس يقول و اعلم ان لكل رفيق ترافقه و كل مكان تحله و كل كتاب تقرؤه ، و كل رأي تسمعه ، لكلّ من ذلك أثر في نفسك ، لا تحس به لكنه موجود كالبذرة الصغيرة في الأرض ، و أنا في نفسي بذور صغيرة من هنا و هناك قد أعي على بعضها و قد أغفل . آمل أن أدركها و أن أدرك نسيجي الخاص بمرور الأيام و تراكم الخبرات 🙂

4 أفكار على ”ما يجعلني أنا

  1. طبَّقت فكرة الصندوق مرة في جمعات الصديقات و كنت قد أخذت الفكرة منك بالمناسبة 😛 كانت الأسئلة عادية لكن البعض استصعب الإجابة عليها، ربما لأننا لم نعتد الحديث عن أنفسنا بهذا الشكل و بهذا الوضوح و ربما لا نعرف أنفسنا بما يكفي للإجابة على مثل هذه الأسئلة و هذا مؤسف، الجلسة كانت جميلة و كان هناك بعض الإجابات الرائعة، و بعض الأفكار و المشاعر التي خرجت فجأة و لامَست القلوب و أثرت فيها، تنبهت فيها إلى أن ال Talk therapy الذي أطلَقتِه على فكرة الصندوق هو حقاً كذلك يا عزيزتي😛❤️
    شكراً لمشاركة هذا ،و شكراً لأنك أنتِ أنتِ …تسنيم❤️

    Liked by 1 person

أضف تعليق