منشغلاً بنفسك … راضياً بما عندك

في جلسة مع زميلات التخصص ، تقول إحداهن ” و الله دفعتنا كتير شاطرة الواحد قد ما درس بكون في علامات أعلى” ، ترد عليها أخرى ” مو مشكلة المهم إنك بتدرسي و تعملي إلي عليكِ ” ، في أوقات الإمتحانات كثيراً ما أقول لنفسي و لغيري المهم أن تصنع ما عليك و هذا ما تعلمه أنت و لا أحد غيرك و هو أنك فعلاً صنعت كل ما كان في مقدورك ، عندها لن تلوم نفسك و تندم على النتيجة أياً كانت لأنك علمت أنك ” عملت الي عليك ” بحق .

هذه الفكرة مريحة و ذات أثر كبير علي ّ و حينما أفكر بأساسها أتذكر معناً تعلمته من د. عبد الرحمن الهاشمي – جزاه الله خيراً- و هي فكرة أن سباقك الحقيقي سباق مع نفسك لا مع غيرك ، يشبه الأمر مضمار السباق ، لكل شخص مضماره و هو المسؤل عن أن يقطعه و متى ما التفت لغيره في السباق و انشغل به أسبقه أم لا ، غالباً سيخسر ! .

ما أراه و أذكّر نفسي به كثيراً ، أننا في الحياة لكل واحد منّا مضمار ، مضمار خاص به وحده لا يشترك معه به غيره يتميز به كتميز بصمته ، مضمار يوصله لوجهته النهائية و هو من يقرر ما وجهته و كيف يسير و ما الذي سيعينه في الطريق ، و في هذا المضمار أنت لست في سباق مع أحد و لا مع أي مخلوق غيرك ، أنت في سباق مع نفسك … يومك و ساعاتك ، سعيك و كسلك ، جدك و هزلك . فما عليك سوى أن تنشغل بطريقك ، ستتعلم ممن حولك و تطلب العون منهم و تتقاطع طرقكم لكن في النهاية كلُُ يسير بمضماره الخاص.

أتذكرني في فترة حرجة لم أكن راضياً بما عندي و أقارن نفسي بغيري فكنت أذهب إلى الشارع الخلفي من الجامعة و الذي يكون شبه خالٍ من الناس فأنظر إلى الشارع و الرصيف على جانبه و أقول لنفسي انظري تسنيم هذا مضمارك و لا أحدك ينافسك فيه و الشارع مضمار غيرك و يفصل بيننا حاجز فانشغلي بمضمارك و العمل عليه فأنت لستِ في سباق مع أحد !.

58673f6d-914d-4ab8-b9c6-2938971cb690

مما أعانني على ترسيخ هذه الفكرة عندي:

  • التخفيف قدر الإمكان من السوشل ميديا

عندما تقضي ما يقارب ثلاث ساعات كثرت أو قلت تتبع أمور غيرك ، حياتهم و انجازاتهم و أوضاعهم ، كيف لك حينها أن لا تقارن نفسك بهم أو أن لا تشعر بشعور خفي بالمنافسة بمن سيصل أولاً ؟ … أو أن لا يشعرك غيرك بما يجب عليك أن تكون عليه بصورة ضمنية قد لا تعي عليها ، بأن تسير كما الجميع يسير فإن تخرجت و لم تعمل بوظيفة تستعبدك و لا تعطيك مردود يعنيك فياللهول أنت لا تسير بالعجلة بشكل جيد! و تبدأ بعدها تراجيديات حزنك على نفسك … هذا ما جعلني شخصياً لا أملك سوى حساب على الفيسبوك و أحاول تقنين الأشخاص و الصفحات التي أتابعها .

  • مفهوم الرزق

فكرت بأنه مما يشعرني بالتنافس مع غيري أو التطلع إلى غيري و ما رزقهم الله و ذلك الشعور الخفي – بأن س و ص لديهم ما ليس عندي – و هذا يشعرني بالخوف على رزقي و الشعور بأن هناك أمراً ينقصني هو خلل عندي في مفهوم الرزق

ربما تقاطع الأمر مع صحبة القرآن و مروري على الآيات التي ذكر الله بها الرزق فصرت أكثر اطمئناناً … الفكرة أن ما كتبه الله لك سيأتي شئت أم أبيت و أن الله الرزّاق الحكيم العليم ، بيده الخير ، بيده وحده و نحن عبيد له ، المهم أن تسعى أنت بمضمارك بما آتاك الله ،حينها ستسعد برزقك و ما عندك و ستكف عن النظر إلى غيرك و الانشغال بهم و ما عندهم.

و حين أذكر الرزق لا أعنيه بما يتبادر لذهننا غالباً بأنه المال . المال و العلم و الصحبة و الحكمة و الجمال و سماتك النفسية و مهاراتك و روحك و كل ما وهبه الله لك …. رزق .

  • أن تكون فعلاً منشغلاً

حينما تقرر أن تنشغل بمضمارك ، فعليه يترتب أن يكون عندك ما تنشغل به حقاً … لأنه ما الفائدة من أن تقرر أن تصم عينيك و أذنيك عن غيرك و ليس عندك ما تنشغل به في المقابل . ما الذي ستنشغل به هذا ما تختاره أنت … فتعلم ما تحتاج فتسعى لسده ، ربما يكون الانشغال بعلم نافع أو صحبة أو تطوع أو بناء مهارات أو قراءة أو القيام بأدوارك الحياتية باتقان أو التعلم عن دينك أو التعرف على نفسك … و غيره الكثير.
المهم أن يكون هذا بدافع شخصي منك ، حينها ستهتم بتفاصيل يومك ، روتينك اليومي و المهام التي عليك و الكتاب الذي تقرأ و المقالات التي تتابع و الأوقات التي تأنس بها بنفسك …. حينها ستحب تفاصيل مضمارك و تنشغل بتقدمك أنت على نفسك بما تضيفه لها من أمور و تزيل عنها أخرى ، فتصاحب نفسك و تقدّرها.

راضياً بما عندك …يذكرني هذا بحديث للرسول عليه السلام : ” فمن رضي فله الرضى ، و من سخط فله السخط ” … حين تنشغل بمضمارك حقاً ، ستقدر كل مافيه و تسعد بما عندك لأنه مضمارك الوحيد و ليس لديك غيره ، فما عليك سوى الإحسان فيه و التأمل لحالك و أنت تتقدم فيه و تزيل عنك أعباء كانت توقفك في الطريق ! و الأمر لا يأتي مرة واحد لكنه يبني تدريجيا لأن الأمور تأخذ وقتاً !

يشبه الأمر ذلك الشعور بالشيء الخاص بك ، الذي بنيته بجهدك و اخترك جزءً مما فيه و تكيفت مع آخر و أزلت منه ما لا يعجبك ، فكيف لك حينها أن لا تسعد به و تقدّر إنجازاتك الصغيرة فيه .

في اليوم العلمي لقسم علم النفس و الذي تضمن الحديث عن الرعاية الذاتية لمقدمي الخدمات النفسية ، كان مما ذُكر من وسائل الرعاية الذاتية( self caring ) هو الشعور بالامتنان لما عندك ، بأن تكتب أو تفكر كل يوم بما أنت ممتن لوجوده عندك . كونك مشغولاً بمضمارك و لا تركض هوساً وراء ما لدى الآخرين و طرق سيرهم ستشعر بالامتنان لنفسك التي أرحتها من قلق المنافسة، ستشعر بالامتنان لمضمارك و ما زرعته فيه .

بالنهاية ، أنت لست في منافسة مع أي شخص آخر ، حياتك أياماً معدودة فسِر بسرعتك الخاصة ، ضمن خطتك الخاصة ،و ارض بما قسمه الله لك و اسع لكل خير تأمله و أرح عن صدرك عناء الانشغال بما يجلب الهم لقلبك.

66649966_2348857311996916_5552023538283577344_n.jpg

5 أفكار على ”منشغلاً بنفسك … راضياً بما عندك

  1. تسنيم شكرًا لجهدك الملحوظ في هذه التدوينة، وحُسن اختيارك لهذا العنوان الملفت 🙂
    أعدتُ قراءتها أكثر من مرة، وأظن أنني سأعود لها كل فترة
    أعجبتني العديد من الأمور التي ذكرتها هنا، خاصة ما تفعلينه بالذهاب للشارع الخلفي للجامعة والنظر للطريق.
    وكم سعدت بالطريقة الذي ذكرت بها بما يمكن للإنسان أن ينشغل به مع خياراتٍ كثيرة.

    شغلنا الله بما خلقنا له، وجعلنا من الراضين في الدارين💛

    Liked by 1 person

    • خطرت ببالي فكرة المدونة و عنوانها و أنا أمشي في الجامعة و كتبت العنوان جانباً خوفاً من أن أنساه p:

      سعيدة و ممتنة أنك ستقرئيها مرات أخرى ❤
      و أفكر في صنع الشي ذاته لأنني بحاجة لأن أذكر نفسي مراراً بهذه الفكرة

      آمين❤

      Liked by 1 person

  2. يقول ريم:

    وصلت للتدوينة الان وقد أتت في وقتها تماما . تخلصت قبل مدة من متابعة سناب شات وأشعر صدقًا براحة نفسية كبيرة.. وقريبا جدا سأفصل عدد المتابعين في تويتر وإنستغرام -ربما احتاج إلى ديتكوس- لانه كما قلتي لا نسلم من تأثيرها حتى لو كان ضمنيا، وكأن الجميع يجري وأنا واقفة لا أتحرك ..
    قلمك جميل لا تتوقفي وبالتوفييييق

    Liked by 1 person

    • سعيدة أنها جاءت في الوقت المناسب :’)

      أعلم شعور الراحة هذا😁 ، افخري بهذا الإنجاز و استمري فيه 😁

      شكراً لتعليقك الذي بدأت به يومي بحماس و أهلاً و سهلاً بك في المدونة ♥️

      إعجاب

أضف تعليق